واندثر مفعول هذه القنبلة سرعان ما كرر قادة مصر على لسان وزير الخارجية محمد ابو الغيط المعزوفة المعروفة ان العائق الرئيسي هو شارع خالد الاسلامبولي في طهران.
وبما ان العلاقات بين طهران والقاهرة لا تفصلها الا مسافة شارع واحد لكن الهوة بين العاصمتين شاسعة نفسيا وسياسيا.
فطهران تتخذ قراراتها من منطلق المصلحة الوطنية وبعيدا عن املاءات القوى الخارجية وبالتالي المتغيرات والمستجدات الاقليمية والدولية لم تترك اثرا على قراراتها السياسية وعلاقاتها الخارجية.
وبما ان العلاقات بين البلدين طيلة العقود الستة الماضية شهدت منعطفا ولكن بعيدا عن المصطلحات الدبلوماسية فان الزواج والطلاق بين كلا العاصمتين يتم عبر الكنيسة "الانغلوساكسونية".
فكان زواج شاه ايران المقبور في عقد الاربعينات من القرن الماضي مع فوزيه ، شقيقة الملك فاروق المصري قد جاءت بمباركة من بريطانيا التي حاولت ان تبني سياجا يحافظ على مصالحها من غرب آسيا الى شمال افريقيا.
وبعد ثورة الضباط الاحرار على الحكم الملكي في مصر عام 1952 انتهى هذا الزواج بطلاق فوزيه من شاه ايران ومن ثمة توترت العلاقات ايضا بين شاه ايران آنذاك والرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر .
ووقعت القطيعة بين البلدين حيث تم اغلاق سفارتي كلا البلدين واخذت الحرب الاعلامية والكلامية تتصاعد بين شاه ايران المقبور وجمال عبدالناصر.
وبعد رحيل الرئيس المصري جمال عبدالناصر عام 1970 انتهج خلفه انور السادات سياسة جديدة تختلف 180 درجة عما كانت عليه ابان حكم عبدالناصر.
فبعد ان دار الرئيس انور السادات ظهره الى الاتحاد السوفيتي السابق من خلال طرد اكثر من عشرين الف خبير عسكري روسي والتوجه نحو المعسكر الغربي بدأت الاشارات تأتي من القاهرة الى طهران لاستئناف العلاقات بايحاء من اميركا.
فشاه ايران السابق استوعب اللعبة بين الرئيس الاميركي الاسبق "ريتشارد نيكسون والرئيس المصري انور السادات" وبات ينسجم مع اللعبة الجديدة بضغط من البيت الابيض.
وفعلا قرر الرئيس السابق انور السادات ان يستانف العلاقات مع طهران تماشيا مع رغبة الادارة الاميركية التي ارادت ان تحافظ على مصالحها في الشرق الاوسط من خلال محور القاهرة – طهران لعل ان تنضم تل ابيب الى هذا المحور في ما بعد .
فحينما ذهب الرئيس المصري انور السادات الى بيت المقدس في نوفمبر عام 1977 اصبحت القاهرة تنعزل عن محيطها العربي الذي كانت يوما من الايام هي الرائدة في بناء هذا المحيط وزعامتها التي لا احد يستطيع ان ينافسها على هذه الزعامة.
والنظام الايراني الملكي هو الذي وقف الى جانب انور السادات وساعده على الخروج من عزلته تكريما لما قام به السادات في خطوته الغريبة بزيارة الاراضي الفلسطينية المحتلة والاجتماع بقادة الكيان الصهيوني هناك.
وبعد سقوط الشاه عام 1979 وقف السادات بكل ثقله الى جانب صديقه المهزوم واظهر عدائه للثورة الاسلامية الفتية حينما احتضن الشاه الذي كان مطلوبا من لدى الشعب الايراني لمحاكمته على جرائمه الذي ارتكبها ضد هذا الشعب.
كما قدم الرئيس انور السادات كل الدعم لاميركا حينما قام المارينز بعملية انزال جوي فاشل في صحراء طبس في شرق ايران للافراج عن الجواسيس الاميركيين في السفارة الاميركية في طهران عام 1980 .
وبعد فشل الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر في تحرير الجواسيس العاملين في السفارة الاميركية في طهران امر عميله المعدوم صدام بشن هجوم على الجمهورية الاسلامية بغية اضعاف الثورة الاسلامية.
وكان الرئيس المصري السابق انور السادات قد وقف بكل قواه الى جانب صدام خلال العام الاول من اعتداء هذا الاخير على اراضى الجمهورية الاسلامية وقدم له الدعم اللوجستي والاعلامي.
ومما زاد الطين بلة هو قطع العلاقات بين مصر وايران في اعقاب قطع العلاقات بين ايران والولايات المتحدة نتيجة استيلاء الطلاب على السفارة الاميركية في طهران.
وبعد مقتل الرئيس انور السادات على يد مجموعة اسلامية مسلحة يقودها خالد الاسلامبولي في السادس من اكتوبر عام 1981 وضعت طهران اسم خالد اسلامبولي على احد شوارعها تكريما له.
اضافة الى ذلك فان مصر خلال العقود الماضية وحتى الآن تسعى لكي تستعيد مجدها الغابر وتقوم بدورها في زعامة الامة العربية رغم انها تدرك ان هنالك دولة عربية اخري تتمتع بثقل سياسي واقتصادي في المنطقة تنافسها بقوة على هذه الزعامة الا وهي المملكة العربية السعودية.
وهذا التنافس الخفي تارة والظاهر تارة اخرى اخذ يطغى على العلاقات بين الرياض والقاهرة من جهة وباقي دول المنطقة من جهة اخرى.
فحينما تتدهور العلاقات بين الرياض والقاهرة تتسارع كلا العاصمتين للتقرب من طهران وكسب استمالتها لتخويف الطرف الآخر.
كما ان العلاقات بين الرياض والقاهرة مع واشنطن يقوم على هذا الاساس فحينما تصطدم هذه العلاقات بعقبة مع اميركا تسعى القاهرة والرياض على حد سواء للتقرب من ايران لتخويف الادارة الاميركية.
فاذن حينما تبني القاهرة علاقاتها مع الآخرين وفق ما يرضي الادارة الاميركية فلا يوجد امل لتحسين العلاقات بين طهران والقاهرة حيث ان اميركا تعتبر نفسها معنية بشكل مباشر بالعلاقات بين مصر وباقي الدول الاسلامية والعربية.
وبالتالي فان تسمية شارع او تغيير هذه التسمية ليست الا ذريعة ويجب القول ان خطبة الزاوج بين القاهرة وطهران لا يقرأها المأذون المسلم بل يقرأها القسيس الاميركي كما ان الطلاق بين العاصمتين ايضا تم باشراف هذا القسيس ويبدو انه لارجعة في هذا الطلاق على المدى القريب.
حسن هاني زاده – خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء
تعليقك